مادة خلق الملائكة: عرفنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ترويه عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه، أن المادة التي خلق منها الملائكة هي النور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم " رواه مسلم. ولم يبين لنا الرسول عليه أفضل الصلاوات وأتم التسليمات أي نور هذا الذي خلقوا منه، ولذلك فإننا لن نستيطع الخوف في هذا الأمر بمزيد من التحديد، لأنه من الغيب الذي لم يرد ما يوضحه أكثر من هذا الحديث.
متى خلقوا؟ لا ندري متى خلقهم الله سبحانه وتعالى، ولكنا نعلم أن خلقهم سابق على خلق آدم أبي البشر. فقد قال رب العزة في محكم كتابه: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " سورة البقرة : 30 والمراد بالخليفة هو آدم عليه السلام، وأمرهم بالسجود له حين خلقهم. " فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " سورة الحجر : 29
عظم خلقهم: قال الله تعالى في ملائكة النار: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" سورة التحريم : 6 وتتفاوت في خلقها وتختلف حسب الأعمال الموكلة بها، وأعظمهم على الإطلاق جبريل عليه السلام. فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: " رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ست مئة جناح، كل جناح منه سد الأفق. يسقط من جناحه التهاويل – وهي الأشياء المختلفة الألوان – من الدر واليواقيت " قال ابن كثير : اسناده جيد. انظر ( البداية 1\ 47)
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعض أسماء الملائكة في دعائه وهو يسأل الله، ولولا عظم الملائكة لما خصهم بالذكر. حيث " كان إذا قام من الليل افتتح صلاته اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادة فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " رواه مسلم.
أجنحة الملائكة: للملائكة أجنحة كما أخبرنا الله تعالى، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة أو أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك. " الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " سورة فاطر : 1
جمال الملائكة: تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح. ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك. وانظر إلى ما قالته النسوة في حق يوسف الصديق عندما رأينه: " فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ " سورة يوسف : 31
عددهم: الملائكة خلق كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم. " وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ " سورة المدثر : 31 ومن ذلك ما جاء في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم واصفاً البيت المعمور في السماء السابعة: " فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل، فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم " رواه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " رواه مسلم
أخي الحبيب: تفكر في عدد الملائكة المسؤولين عن تحريك جهنم، وهو: اربعة مليارات وتسع مئة مليون ملك! 4.900.000.000 ملك ( حاصل ضرب سبعين ألف زمام في سبعين ألف لملك )
علاقة الملائكة مع بني آدم: * حراستهم وحفظهم في حله وترحاله: قال تعالى: " سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ " سورة الرعد : 11 وقد بين ترجمان القرآن ابن عباس أن المعقبات من الله: هم الملائكة جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله الذي قدر أن يصل إليه خلو عنه.
* تحريك بواعث الخير في نفوس العباد: وكل الله بكل إنسان قريناً من الملائكة وقرينا آخر من الجن. ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة " قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: " وإياي، ولكن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير "
* حفظ أعمال بني آدم: الملائكة موكلون بحفظ أعمال بني آدم من خير وشر، وهؤلاء هم المعنيون بقوله تعالى: " وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " سورة الانفطار : 12 وقوله تعالى: " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " سورة ق : 18 ومعنى رقيب عتيد: أي مراقب معد لذلك لا يترك كلمة تفلت. وذكر ابن كثير أيضاً عن ابن عباس: ( يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى أنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو أو شر وألقي سائره، وذلك قول الله تعالى: " يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " سورة الرعد : 39 ) وقوله تعالى: " أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " سورة الزخرف : 80 وقول الكفار عندما يرون كتاب أعمالهم يوم القيامة: " يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " سورة الكهف : 49
* صاحب اليمين يكتب الحسنات والآخر السيئات: أورد الطبراني في المعجم الكبير بإسناد حسن عن أبي أمامه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة "
* نزع روح الإنسان وتبشير المؤمنين عند النزع: إذا جاء الموت ونزل بالعبد المؤمن، فإن الملائكة تتنزل عليه وتثبته وتبشره " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ" سورة فصلت : 32
* سؤالهم العبد في القبر وما يكون منهم في المحشر والجنة والنار: سؤال الملكين للعبد في قبره وهما منكر ونكير. وأن منهم ملائكة ينعمون العباد في قبورهم. وأن منهم من يعذبون الكفرة والمجرمين. وأن منهم من يستقبل المؤمنين في يوم القيامة، ويحشرون الناس للحساب، ويسوقون الكفرة إلى جهنم والمؤمنين إلأى الجنة. ويقومون على تعذيب الكفار في النار، والسلام على المؤمنين في الجنة.